فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
بصيرة في الاستواء:
وقد ورد في النَّص على ستَّة أَوجه:
الأَوّل: بمعنى القَصْد إِلى الشيء: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} أي قصد إِلى خَلْقها.
الثاني: بمعنى التمكُّن والاستقرار: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} أي استقرّت.
الثالث: بمعنى الرّكوب، والاستعلاء: {ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ} أي ركِبتم واستعليتم.
الرّابع: بمعنى الشدّة والقوّة: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} أي قوى واشتدّ.
الخامس: بمعنى المعارضة والمقابلة: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} أي يقابل هذا ذاك.
السّادس: بمعنى القهر والقدرة: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} أي أَقبل على أَمره، واستولى على مِلكه، وقدر عليه بالقهر والغلبة.
وهو أَعظم المخلوقات، وأَكبر الموجودات.
فإِذا قهره وقدر عليه، فكيف ما دونه لديه.
قال أَبو القاسم الأَصبهانى: استوى يقال على وجهين.
أَحدهما يُسند إِلى فاعلَين فصاعدًا، نحو استوى زيد وعمرو في كذا، أي تساويَا.
الثانى: أَن يقال لاعتدال الشيء في ذاته، نحو قوله تعالى: {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى}، ومتى عدّى بعلى اقتضى معنى الاستيلاء، نحو {الرَّحْمَانُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى}.
وقيل معناه: استوى له ما في السّماوات، وما في الأَرض بتسويته تعالى إيّاه؛ كقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ}.
وقيل: معناه استوى كلّ شيءٍ في النسبة إِليه، فلا شيء أَقربُ إِليه من شيءٍ؛ إِذ كان تعالى ليس كالأَجسام الحالَّة في مكان دون مكان.
وإِذا عُدّى بإِلى اقتضى معنى الانتهاءِ إِليها إِمّا بالذَّات، أَو بالتَّدبير.
والله أَعلم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ}.
لا تستوي الحالتان: هذه إقبالٌ على الله، واشتغالٌ بطاعته، واستقلال بمعرفته... وهذه إِعْراضٌ عن الله، وانقباضٌ عن عبادته، واعتراض- على الله- في قسمته وقبضته. هذه سبب وصاله، وهذه سببُ هَجْرِه وانفصاله، وفي كلِّ واحدةٍ من الحالتين يعيش أهلها، ويُزْجِي أصحابُها وقتَها. ولا يستوي الوقتان: هذا بَسطٌ وصاحبُه في رَوْح، وهذا قبضٌ وصاحبه في نَوْح. هذا خوفٌ وصاحبه في اجتايح، وهذا رجاءٌ وصاحبه في ارتياح. هذا فَرْقٌ وصاحبُه بوصف العبودية، وهذا جَمْعٌ وصاحبُه في شهود الربوبية.
{وَمِن كُلٍّ تأْكُلُونَ لَحْمًا طَريًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا}: كذلك كُلٌّ يتقرَّبُ في حالته لربِّه، ويتزَيَّنُ على بابه، وهو حِلْيَتُه التي بها يتحلّى من طَرَبٍ أو حَرَبٍ، من شَرَفٍ أو تَلْفٍ.
{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}.
تغلب النَّفْسُ مرةً على القلب، ويغلب القلبُ مرةً على النَّفْس. وكذلك القبضُ والبسط فقد يستويان، ومرةً يغلب القبضُ على البسطَ، ومرةً يغلب البسطُ على القبض، وكذلك الصحو والسُّكْرُ، وكذلك الفناء والبقاء.
وسَخّرَ شموسَ التوحيد وأقمارَ المعرفة على ما يريد من إظهاره على القلوب.
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ}: فأروني شظيةً من النفي أو الإثبات لما تدعونه من دونه! وإِذْ لم يُمْكِنْكُم ذلك.. فَهَلاَّ أَقْرَرْتُم، وفي عبادته أخلصتم، وعن الأَصنام تَبَرَّأْتُم؟.
{إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)}.
إنْ استعنْتُم بأصنامكم لا يُعينوكم، وإنْ دَعَوْتُموهم لا يسمعوا دعاءكم، ولو سَمِعُوا على جهة ضَرْبَ المَثَلِ لا يستجيبون لكم؛ لأنهم لا يَمْلِكُون نَفْعَ أنفسِهم. فكيف يَمْلِكون نَفْعَ غيرهم؟!
{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ}: لا يؤمنون إلا في ذلك الوقت، ولكن لا ينفعهم الإيمانُ بعد زوال التكليف. اهـ.

.تفسير الآيات (15- 18):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما اختص سبحانه بالملك ونفى عن شركائهم النفع، أنتج ذلك قوله: {يا أيها الناس} أي كافة {أنتم} أي خاصة {الفقراء} أي لأنكم لاتساع معارفكم وسريان أفكاركم وانتشار عقولكم تكثر نوازغكم وتتفرق دواعيكم فيعظم احتياجكم لشدة ضعفكم وعجزكم عظمًا يعد معه احتياج غيركم عدمًا، ولو نكر الخبر لم يفد هذا المعنى {إلى الله} أي الذي له جميع الملك؛ قال القشيري: والفقر على ضربين: فقر خلقة، وفقر صفة، فالأول عام فكل حادث مفتقر إلى خالقه في أول حال وجوده ليبديه وينشيه، وفي ثانية ليديمه ويبقيه، وأما فقر الصفة فهو التجرد، ففقر العوام التجرد من المال، وفقر الخواص التجرد من الإعلال، فحقيقة الفقر المحمود تجرد السر عن المعلولات.
ولما ذكر العبد بوصفه الحقيقي، أتبعه ذكر الخالق باسمه الأعظم على قرب العهد بذكر الإشارة إلى الجهة التي بها وصف بما يذكر، وهي الإحاطة بأوصاف الكمال فقال: {والله هو} أي وحده {الغني} أي الذي لا يتصور أن يحتاج لا إليكم ولا إلى عبادتكم ولا إلى شيء أصلًا.
ولما كان الغنى من الخلق لا يسع غناه من يقصده، وإن وسعهم لم يسعهم عطاؤه لخوف الفقر أو لغير ذلك من العوارض، ولا يمكنه عموم النعمة في شيء من الأشياء فلا ينفعك من نوع ذم، وكان الحمد كما قال الحرالي في شرح الأسماء: حسن الكلية بانتهاء كل أمر وجزء، وبعض منها إلى غاية تمامه، فمتى نقص جزء من كل عن غاية تمامه لم يكن ذلك الكل محمودًا، ولم يكن قائمه حميدًا، وكان الله قد خلق كل شيء كما ينبغي، لم يعجل شيئًا عن إناه وقدره، وكان الذم استنقاضًا يلحق بعض الأجزاء عند من لم يرها في كلها ولا رأى كلها، فكان الذم لذلك لا يقع إلا متقيدًا متى أخذ مقتطعًا من كل، والحمد لا يقع إلا في كل لم يخرج عنه شيء فلا حمد في بعض ولا ذم في كل ولا حمد إلا في كل، ولذلك قال الغزالي: الحميد من العباد من حمدت عوائده وأخلاقه وأعماله كلها من غير مثنوية.
وكان سبحانه قد أفاض نعمه على خلقه، وأسبغها ظاهرة وباطنة، وجعل لهم قدرة على تناولها.
لا يعوق عنه إلا قدرته {وما كان عطاء ربك محظورًا} وكان لا ينقص ما عنده، كان إعطاؤه حمدًا ومنعه حمدًا، لأنه لا يكون مانعًا لغرض بل لحكمة تدق عن الأفكار فقال: {الحميد} أي كل شيء بنعمته عنده والمستحق للحمد بذاته، فأنتج ذلك قطعًا تهديدًا لمن عصاه وتحذيرًا شديدًا: {إن يشأ يذهبكم} أي جميعًا {ويأت بخلق جديد} أي غيركم لأنه على كل شيء قدير {وما ذلك} أي الأمر العظيم من الإذهاب والإتيان {على الله} المحيط بجميع صفات الكمال خاصة {بعزيز} أي بممتنع ولا شاق، وهو محمود عند الإعدام كما هو محمود عند الإيجاد.
ولما أنهى سبحانه بيان الحق بالدلائل القاطعة والبراهين الساطعة بالتهديد بالأخذ، وكان الأخذ على وجه التهديد عقابًا، وكان العقاب لا يكون حكمه إلا عند الذنب، قال دالًا على أنه لا ينفك أحد عما يستحق به العقاب: {ولا} أي يذهبكم عقوبة لكم بأوزاركم وقدرة عليكم والحال أنه لا {تزر} أي تحمل يوم القيامة أو عند الإذهاب، ولما لم تكن نفس متأهلة للحمل تخلو من وزر تحمله، والمعصوم من عصم الله، قال: {وازرة} دون نفس، أي لا تحمل حاملة من جهة الإثم {وزر} أي حمل وثقل {أخرى} لتعذب به، بل كان واحد منكم له مما كسبت يداه ما ثقوم به عليه الحجة في الأخذ مباشرة وتسببًا مع تفاوتكم في الوزر، ولا يحمل أحد إلا ما اقترفه هو، لا تؤخذ نفس بذنب أخرى الذي يخصها كما تفعل جبابرة الدنيا.
ولما أثبت أنه لا يؤخذ أحد إلا بوزر، ونفى أن يحمل أحد وزر غيره، وكان ربما أوهم أن ذلك خاص ببعض الأحوال أو الأشخاص، وكان عظم الوزر يوجب عظم الأخذ، نفى ذلك الإيهام ودل القدرة على المفاوتة بينهم في الأجر وإن كان أخذهم في آن واحد بقوله: {وإن تدع} أي نفس {مثقلة} أي بالذنوب سواء كانت كفرًا أو غيره، أحدًا {إلى حملها} أي الخاص بها من الذنوب التي ليست على غيرها بمباشرة ولا تسبب ليخفف عنها فيخفف العذاب بسبب خفته {لا يحمل} أي من حامل ما {منه شيء} أي لا طواعية ولا كرهًا.
بل لكل امرئ شأن يغنيه أصلًا وتسببًا {ولو كان} ذلك الداعي أو المدعو للحمل {ذا قربى} لمن دعاه، وحاصل الأولى أنه لا يهلك أحد بذنب غيره بل بذنب نفسه، والثانية أنه لا يحط عن أحد ذنبه ليسلم.
ولما كان هذا أمرًا- مع كونه جليًا- خالعًا للقلوب، فكان بحيث يشتد تعجب السامع ممن يسمعه ولا يخشى، فقال مزيلًا لهذا العجب على سبيل النتيجة: {إنما تنذر} أي إنذارًا يفيد الرجوع عن الغيّ، فلاختصاصهم بالنفع كانوا كأنهم مختصون بالإنذار، وهو كما قال القشيري: الإعلام بموضع المخافة.
{الذين يخشون} أي يوقعون هذا الفعل في الحال ويواظبون عليه في الاستقبال.
ولما كان أعقل الناس من خاف المحسن لان أقل عقابة قطع إحسانه قال: {ربهم}.
ولما كان أوفى الناس عقلًا وأعلاهم همة وأكرمهم عنصرًا من كانت غيبته مثل حضوره، وكان لا يحتاج- مع قول الداعي وما يظهر له من سمته وحسن قوله وفعله- إلى آية يظهرها ولا خارقة يبرزها، وإنما إيمانه تصديقًا للداعي في إخباره بالأمر المغيب من غير كشف غطاء قال: {بالغيب} أي حال كونهم غائبين عما دعوا إليه وخوفوا به، أو حال كونه غائبًا عنهم أو غائبين عمن يمكن مراءاته، فهم مخلصون في خشيتهم سواء بحيث لا يطلع عليهم إلا الله، ولا نعلم أحدًا وازى خديجة والصديق رضى الله عنهما في ذلك.
ولما كانت الصلاة جامعة لخضوع الظاهر والباطن، فكانت أشرف العبادات، وكانت إقامتها بمعنى حفظ جميع حدودها في كل حال أدل الطاعات على الإخلاص، قال معبرًا بالماضي لأن مواقيت الصلاة مضبوطة: {وأقاموا} أي دليلًا على خشيتهم {الصلاة} في أوقاتها الخمسة وما يتبع ذلك من السنن.
ولما كان التقدير: فمن كان على غير ذلك تدسى، ومن كان على هذا فقد تزكى، ومن تدسى فإنما يتدسى على نفسه، عطف عليه قوله، مشيرًا بأداة التفعل إلى أن النفس أميل شيء إلى الدنس، فلا تنقاد إلى أحسن تقويم إلا باجتهاد عظيم.
{ومن تزكّى} أي تطهر وتكثر بهذه المحاسن.
ولما كان الإنسان ليفيده بالأسباب القريبة قد يغفل عن أن هذا نفع له وخاص به أكده فقال: {فإنما يتزكّى لنفسه} فإنه لا يضر ولا ينفع في الحقيقة غيرها {وإلى الله} الذي يكشف عن جميع صفاته أتم كشف تحتمله العقول يوم البعث لا إلى غيره {المصير} كما كان منه المبدأ فيجازي كلًا على فعله فينصف بينك وبين من خشي ربه بإنذارك ومن أعرض عن ذلك. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ}.